شهدت كرة القدم خلال العقد الأخير تحوّلًا جذريًا، لا سيّما على صعيد الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، التي بدأت تتسلّل تدريجيًا إلى عالم المستديرة الخضراء. وكانت الانطلاقة مع اعتماد تقنية «خط المرمى»، وذلك في ظل الحاجة الملحّة إليها بعد الجدل الواسع الذي أثارته حالات عديدة أُلغيت فيها أهداف صحيحة، نتيجة عدم وضوح ما إذا كانت الكرة قد تجاوزت خط المرمى بالكامل.
وتُعدّ أبرز هذه الحالات الهدف الذي سُجّل باسم اللاعب الإنجليزي فرانك لامبارد أمام منتخب ألمانيا في دور الـ16 من كأس العالم 2010، والذي أُلغي رغم عبور الكرة خط المرمى بشكل واضح. فجاءت تقنية خط المرمى كحل جذري لهذه الإشكالية، إذ أصبح بإمكان الحكم التأكد بشكل فوري من تسجيل الهدف، من خلال ساعة إلكترونية يرتديها في يده تُصدر إشعارًا مباشرًا عند دخول الكرة المرمى بكامل محيطها.
لاحقًا، ومع مطلع عام 2018، دخلت تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) إلى عالم كرة القدم، في محاولة للحد من الجدل المتكرر الذي لطالما رافق القرارات التحكيمية المثيرة للجدل. وقد ساهمت هذه التقنية في تقليص نسبة الأخطاء التحكيمية بشكل ملحوظ، إلا أن الجدل لم ينتهِ، إذ إن «إرضاء الناس غاية لا تُدرك». فلا تزال بعض القرارات محل خلاف بين الحكّام والجماهير، فضلًا عن امتناع الحكّام في بعض الحالات عن العودة إلى تقنية الـVAR، ما يثير استياء اللاعبين والمتابعين على حد سواء. ويُضاف إلى ذلك إدخال أنظمة تتبّع اللاعبين وتحليل البيانات، بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، بهدف تحسين الأداءين الفني والبدني.
وفي المرحلة الراهنة، بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) باعتماد تقنية «التسلل شبه الآلي»، التي ترتكز على كاميرات عالية الدقة تتابع تحركات اللاعبين والكرة لحظة بلحظة، وتُنشئ نموذجًا ثلاثي الأبعاد (3D) يحدد مواقع اللاعبين بدقة، إضافة إلى تحديد لحظة التمرير بشكل آلي، من دون الحاجة إلى رسم الخطوط يدويًا، ما يُسرّع عملية اتخاذ القرار ويُقلّل هامش الخطأ.
غير أن التدخل المتزايد للتكنولوجيا في كرة القدم أثار جدلًا واسعًا بين الجماهير والمتابعين، إذ انقسمت الآراء بين من يعتبرها خطوة ضرورية لتحقيق العدالة، ومن يرى فيها سببًا لفقدان اللعبة جزءًا من متعتها وروحها. فبحسب المنتقدين، أدّت التقنيات الحديثة، وعلى رأسها حكم الفيديو المساعد، إلى قتل اللحظة العاطفية للاحتفال بالأهداف، إذ لم يعد الجمهور يحتفل فور تسجيلها، بل ينتظر قرار الشاشات، ما أفقد اللعبة عفويتها التي ميّزتها لعقود طويلة. كما أسهمت التوقفات المتكررة في التأثير سلبًا على نسق المباريات، وجعلتها أكثر بطئًا وأقل إثارة.
ويرى البعض أن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا حوّل كرة القدم إلى عملية حسابية جامدة، تُحتسب فيها حالات التسلل بفوارق سنتيمترات لا يشعر بها اللاعب ولا المتفرج، ما أضعف الإحساس بعدالة المنافسة، وقلّل من الدور الإنساني للحكم داخل أرضية الملعب. في المقابل، يدافع مؤيدو التكنولوجيا عن حضورها، معتبرين أنها حدّت من الظلم التحكيمي الذي كان يحسم مباريات وبطولات بأكملها، وأن أخطاء التكنولوجيا – إن وُجدت – تبقى أقل تأثيرًا من الأخطاء البشرية.
وبين هذين الرأيين، يبرز موقف وسطي تتبنّاه شريحة واسعة من الجماهير، لا ترفض التكنولوجيا من حيث المبدأ، لكنها تطالب باستخدامها بحذر وعقلانية، بما يحقق العدالة دون أن يُفقد كرة القدم روحها، أو يحوّل متعتها إلى انتظار طويل لقرارات تقنية.
في المحصّلة، لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من كرة القدم الحديثة، وفرضت نفسها كأداة أساسية في تطوير اللعبة وتحقيق قدر أكبر من العدالة. غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود هذه التقنيات بحد ذاتها، بل في كيفية توظيفها بالشكل الصحيح، بما يضمن الحفاظ على روح كرة القدم وعفويتها، ويُبقيها لعبة جماهيرية نابضة بالمشاعر، لا مجرّد قرارات تصدر من خلف الشاشات.
-الرئيسية- ١٥/١٢/٢٠٢٥
كرة القدم في عصر التكنولوجيا
2025-12-15 13:32
محمد شعيب
14 مشاهدة
1 دقائق قراءة
صورة رئيسية
لمتابعة المزيد من الأخبار يمكنكم الاشتراك بقناتنا على الواتساب: Whatsapp Channel
يوتيوب: youtube.com/4
تلغرام: Telegram
شارك المقال
رياضة
الرئيسية
أخبار