هل ما زالت الرياضة بعيدة عن السياسة؟

تأبى الفيفا وبعض المؤسسات الرياضية الغربية إلا أن تُدخل توجهاتها الاجتماعية إلى مجتمعاتنا المحافظة بأساليب مستفزّة، غير آبهة بخصوصية الدول وقيمها. فقد أعلن منظّمو كأس العالم 2026 في مدينة سياتل عن تنظيم فعاليات داعمة لمجتمع الميم خلال مباراة مصر وإيران في دور المجموعات، في خطوة اعتُبرت استهدافًا مباشرًا لبلدين تُعرف قوانينُهما بالصرامة في هذا الملف.

ورغم اعتراضات رسمية من القاهرة وطهران، واعتبار الخطوة استفزازًا لمشاعر شعبيهما، أصرت اللجنة المنظمة على قرارها دون أن تُولي أي أهمية للملاحظات المرتبطة بالخصوصية الثقافية أو الحساسية الاجتماعية.

وتبرز هنا أسئلة مشروعة: لماذا اختارت اللجنة تحديدًا مباراة تجمع دولتين محافظتين؟ ولماذا لم تُنظم مثل هذه الأنشطة خلال مباريات دول غربية كفرنسا أو ألمانيا، حيث تحظى هذه الفعاليات بدعم قانوني ومجتمعي واسع؟ وهل أصبح نقل الخلافات الثقافية إلى ملاعب كرة القدم أمرًا طبيعيًا في ظل تغييب احترام خصوصية الشعوب وقيمها؟

ورغم أن الفيفا تؤكد دائمًا أن الرياضة بعيدة عن السياسة، إلا أن الوقائع تشير إلى عكس ذلك. فعندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، سارعت المؤسسات الرياضية الغربية إلى فرض عقوبات شاملة على الرياضة الروسية، وصولًا إلى استبعاد منتخبها من كأس العالم 2022. وفي المقابل، عوقب جمهور رفع علم فلسطين أو عبّر عن تضامنه مع غزة في بعض الملاعب بالغرامات والمنع. تناقض واضح يضع مصداقية الشعارات الرياضية على المحك.

ما يجري يكشف بوضوح أن الرياضة تحوّلت إلى منصة لتمرير رسائل سياسية واجتماعية تخدم أجندات محددة، في وقت تُهمَّش فيه خصوصيات الشعوب وثقافاتها وقيمها.

وفي الختام, إن حماية الرياضة من التسييس لم تعد ترفًا، بل مسؤولية مشتركة. فالعالم بحاجة إلى ملاعب تجمع البشر بدل أن تُقسّمهم، وفضاءات تتيح التعبير العادل لا الانتقائي. وإذا كانت الفيفا ومؤسساتها حريصة فعلًا على “اللعب النظيف”، فعليها أولًا أن تمارس معايير نظيفة في مواقفها، وأن تحترم الهويات الثقافية والاجتماعية لكل الشعوب، لا أن تفرض عليها أجندات لا تعبّر عنها.

فقط عندها يمكن لكرة القدم أن تستعيد دورها الحقيقي: لغة عالمية تُوحّد ولا تُقصي، وتُقرّب ولا تُبعد، وتمنح ملايين العاشقين للعبة مساحة صادقة لا تشوبها ازدواجية أو انتقائية.

-الرئيسية- 11/12/2025